اسما للمعنى فهو مفعول به، كأنه قيل: رزقا إياكم. فإن قلت: بم تعلق فَلا تَجْعَلُوا؟
قلت: فيه ثلاثة أوجه: أن يتعلق بالأمر. أى اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أَنْداداً لأنّ أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل للَّه ندّ ولا شريك. أو بلعل، على أن ينتصب تجعلوا انتصاب، «فأطلع» في قوله عز وجل: (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) في رواية حفص عن عاصم، أى خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه، أو بالذي جعل لكم، إذا رفعته على الابتداء، أى هو الذي خصكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية، فلا تتخذوا له شركاء. والند: المثل. ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ. قال جرير:
أتَيماً تَجْعَلُون إِلَىَّ نِداًّ | وما تَيْمٌ لِذِى حَسَب نَدِيدَا «١» |
وناددت الرجل: خالفته ونافرته، من ندّ ندا إذا نفر. ومعنى قولهم: ليس للَّه ندّ ولا ضدّ نفى ما يسدّ مسدّه، ونفى ما ينافيه. فإن قلت: كانوا يسمون أصنامهم باسمه ويعظمونها بما يعظم به من القرب، وما كانوا يزعمون أنها تخالف اللَّه وتناويه. قلت: لما تقرّبوا إليها وعظموها وسموها آلهة، أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة مثله، قادرة على مخالفته ومضادّته فقيل لهم ذلك على سبيل النهكم. كما تهكم بهم بلفظ الندّ، شنع عليهم واستفظع شأنهم بأن جعلوا أنداداً كثيرة لمن لا يصح أن يكون له ندّ قط. وفي ذلك قال زيد بن عمرو بن نفيل حين فارق دين قومه:
أرَبًّا واحِداً أمْ ألْفُ رَبٍ | أدِينُ إذَا تَقَسَّمَتِ الأُمُورُ «٢» |