مثلا لمن اتبع ما يوحى إليه. ومن لم يتبع. أو لمن ادّعى المستقيم وهو النبوة، والمحال وهو الإلهية أو الملكية أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فلا تكونوا ضالين أشباه العميان. أو فتعلموا أنى ما ادعيت ما لا يليق بالبشر. أو فتعلموا أن أتباع ما يوحى إلىَّ مما لا بدّ لي منه. فإن قلت: أَعْلَمُ الْغَيْبَ ما محله من الإعراب؟ قلت: النصب عطفاً على قوله عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ، لأنه من جملة المقول كأنه قال: لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥١]
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١)
وَأَنْذِرْ بِهِ الضمير راجع إلى قوله ما يُوحى إِلَيَّ والَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إمّا قوم داخلون في الإسلام مقرّون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل «١» فينذرهم بما يوحى إليه لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أى يدخلون في زمرة المتقين من المسلمين. وإمّا أهل الكتاب لأنهم مقرّون بالبعث. وإما ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقاً فيهلكوا، فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الإنذار، دون المتمرّدين منهم، فأمر أن ينذر هؤلاء. وقوله لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ في موضع الحال من يحشروا، بمعنى يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم، ولا بدّ من هذه الحال، لأن كلا
وأما وقد قيل وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ فهذا الكلام مستقل برأسه. ومضمونه تخصيص الانذار المأمور به بالقوم الخائفين من البعث، إما لأنهم مقرون به. وإما لأنهم يحتاطون لأنفسهم فيحملهم الخوف على النظر المقضى إلى اليقين، دون العتاة المصممين على الجحد وليس كل خائف من البعث لا شفيع له، فان الموحدين أجمعين خائفون وهم مشفوع لهم، وإن عنى باللازمة التي لا ينفك ذو الحال عنها، كالتي في قوله وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً قائما هو حينئذ يبتنى على قاعدته في إنكار الشفاعة، فكل خائف عنده لا شفيع له إذ لا يخاف إلا أصحاب الكبائر غير التائبين أو الكفار. والكل عنده سواء لا شفيع لهم. وحيث أثبتت الشفاعة، جعلها خاصة بزيادة الثواب، فلا ينالها إلا من يستوجب على زعمه الثواب بعمله الصالح، وتكون الشفاعة مفيدة للمزيد على ما يرضيه. فهذا عنده لا يخاف من البعث، لأنه يستوجب الجنة. فمن ثم جعل الحال لازمة إذ الناس قسمان: غير مخالف، فلا تتناوله الآية.
وخائف، فذاك إنما خاف لأنه استوجب العقاب فلا شفاعة تناله. وهذه من دفائنه الخفية، ومكامنه المزوية، فتفطن لها، والله الموفق برحمته. [.....]