في قوله وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ. فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولى عبد كيس، وما أشبه ذلك، فما أوجب التقديم؟ قلت: أوجبه أن المعنى: وأى أجل مسمى عنده تعظيما لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣]
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣)
فِي السَّماواتِ متعلق بمعنى اسم الله، «١»، كأنه قيل وهو المعبود فيما. ومنه قوله وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ أو هو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالالهية فيها، أو هو الذي «٢» يقال له- الله- فيها لا يشرك به في هذا الاسم. ويجوز أن يكون اللَّهُ فِي السَّماواتِ خبراً بعد خبر، على معنى: أنه الله- وأنه في السموات والأرض، بمعنى: أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شيء، كأن ذاته فيهما. فإن قلت: كيف موقع قوله يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ؟ قلت: إن أردت المتوحد بالإلهية كان تقريراً له، لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو- الله- وحده، وكذلك إذا جعلت في السموات خبراً بعد خبر، وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم. أو خبر ثالث وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ من الخير والشر، ويثبت عليه، ويعاقب.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤ الى ٥]
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥)
مِنْ في مِنْ آيَةٍ للاستغراق. وفي مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ للتبعيض. يعنى: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب فَقَدْ كَذَّبُوا مردود على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها

(١). قال محمود: «في السموات متعلق بمعنى اسم الله... الخ» قال أحمد: وما الآيتان الكريمتان إلا توأمتان، فان التمدح في آية الزخرف وقع بما وقع التمدح به هاهنا، من القدرة على الاعادة والاستنثار بعلم الساعة والتوحد في الألوهية، وفي كونه تعالى المعبود في السموات والأرض.
(٢). عاد كلامه. قال: أو هو المعروف بالألوهية أو هو الذي يقال له- الله- فيهما... الخ» قال أحمد: وهذه الوجوه كلها كأن التعبير وقع فيها بالملزوم عن لوازمه المشهورة به، كما وقع ذلك في قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري
أى المعروف المشهور، لأنه بنى على أنه متى ذكر شعره فهم السامع عند ذكره خواصه من الجودة والبلاغة وسلامة النسج، لاشتهاره بذلك، فاقتصر على قوله «شعري» اتكالا على فهم السامع.


الصفحة التالية
Icon