[سورة الحج (٢٢) : آية ٢]

يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)
يَوْمَ تَرَوْنَها
منصوب بتذهل. والضمير للزلزلة. وقرئ: تذهل كل مرضعة، على البناء للمفعول: وتذهل كل مرضعة أى: تذهلها الزلزلة. والذهول: الذهاب عن الأمر مع دهشة. فإن قلت: لم قيل مُرْضِعَةٍ
دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبى. والمرضع: التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به «١» فقيل: مرضعة، ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة عَمَّا أَرْضَعَتْ
عن إرضاعها، أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وعن الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام. قرئ وَتَرَى
بالضم من أريتك قائما. أو رؤيتك قائما»
. والنَّاسَ
منصوب ومرفوع، والنصب ظاهر. ومن رفع جعل الناس اسم ترى، وأنثه على تأويل الجماعة. وقرئ: سكرى.
وبسكرى، وهو نظير: جوعى وعطشى، في جوعان وعطشان. وسكارى وبسكارى، نحو كسالى وعجالى. وعن الأعمش: سكرى، وبسكرى، بالضم، وهو غريب. والمعنى: وتراهم سكارى على التشبيه، وما هم بسكارى على التحقيق «٣» ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب
(١). قال محمود: «يقال مرضع على النسب ومرضعة على أصل اسم الفاعل» قال أحمد: والفرق بينهما أن وروده على النسب لا يلاحظ فيه حدوث الصفة المشتق منها، ولكن مقتضاه أنه موصوف بها، وعلى غير النسب يلاحظ حدوث الفعل وخروج الصفة عليه، وكذلك هو في الآية لقوله عَمَّا أَرْضَعَتْ فأخرج الصفة على الفعل، وألحقه التاء.
(٢). قوله «أو رؤيتك قائما» لعله: أو رؤيت قائما. (ع)
(٣). قال محمود: «وقوله وترى الناس سكارى وما هم بسكارى: أثبت لهم أولا السكر المجازى، ثم نفى عنهم السكر الحقيقي» قال أحمد: والعلماء يقولون: إن من أدلة المجاز صدق نقيضه، كقولك: زيد حمار، إذا وصفته بالبلادة، ثم يصدق أن تقول: وما هو بحمار، فتنفى عنه الحقيقة، فكذلك الآية بعد أن أثبت السكر المجازى نفى الحقيقة أبلغ نفى مؤكد بالباء. والسر في تأكيده: التنبيه على أن هذا السكر الذي هو بهم في تلك الحالة ليس من المعهود في شيء، وإنما هو أمر لم يعهدوا قبله مثله، والاستدراك بقوله وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ راجع إلى قوله وَما هُمْ بِسُكارى
وكأنه تعليل لاثبات السكر المجازى، كأنه قيل: إذا لم يكونوا سكارى من الخمر وهو السكر المعهود، فما هذا السكر الغريب وما سببه؟ فقال: سببه شدة عذاب الله تعالى، ونقل عن جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنه أنه قال: هو الوقت الذي يقول كل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيه «نفسي نفسي».


الصفحة التالية
Icon