هرون تبركا به وباسمه، فقالوا: كنا نشبهك بهرون هذا. وقرأ عمر بن لجاء التيمي ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وقيل احتمل يوسف النجار مريم وابنها إلى غار، فلبثوا فيه أربعين يوما حتى تعلت من نفاسها «١»، ثم جاءت تحمله فكلمها عيسى في الطريق فقال: يا أماه، أبشرى فإنى عبد الله ومسيحه، فلما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك. وقيل:
هموا برجمها حتى تكلم عيسى عليه السلام. فتركوها.
[سورة مريم (١٩) : آية ٢٩]
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أى هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه. وقيل: كان المستنطق لعيسى زكريا عليه السلام. وعن السدى: لما أشارت إليه غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا أشدّ علينا من زناها. وروى أنه كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره وأشار بسبابته. وقيل: كلمهم بذلك، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان كانَ لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده، وهو هاهنا لقريبه خاصة، والدال عليه مبنى الكلام، وأنه مسوق للتعجب. ووجه آخر: أن يكون نُكَلِّمُ حكاية حال ماضية، أى: كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
أنطقه الله أوّلا بأنه عبد الله ردا لقول النصارى الْكِتابَ هو الإنجيل. واختلفوا في نبوّته، فقيل: أعطيها في طفوليته: أكمل الله عقله، واستنبأه طفلا نظرا في ظاهر الآية.
وقيل: معناه إنّ ذلك سبق في قضائه. أو جعل الآتي لا محالة كأنه قد وجد مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ عن رسول الله ﷺ «نفاعا حيث كنت «٢» » وقيل: معلما للخير.
(٢). أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة يونس بن عبيد عن الحسن عن أبى هريرة بهذا وأتم منه. وقال تفرد به هشيم عن يونس وعنه شعيب بن محمد الكوفي ورواه ابن مردويه من هذا الوجه.