عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة، حم الماس والممسوس، فتحامى الناس وتحاموه، وكان يصيح: لا مساس، وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم، ومن الوحشي النافر في البرية. ويقال: إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم. وقرئ لا مِساسَ بوزن فجار.
ونحوه قولهم في الظباء. إذا وردت الماء فلا عباب، وإن فقدته فلا أباب: وهي أعلام للمسة والعبة والأبة، وهي المرة من الأب وهو الطلب لَنْ تُخْلَفَهُ أى لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذلك في الدنيا، فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وقرئ لن تخلفه. وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا. قال الأعشى:
أثوى وأقصر ليله ليزوّدا | فمضى وأخلف من قتيلة موعدا «١» |
. ظَلْتَ وظلت، وظلت والأصل ظلت، فحذفوا اللام الأولى ونقلوا حركتها إلى الظاء، ومنهم من لم ينقل لَنُحَرِّقَنَّهُ ولنحرقنه ولنحرقنه. وفي حرف ابن مسعود: لنذبحنه، ولنحرقنه، ولنحرقنه: القراءتان من الإحراق. وذكر أبو على الفارسي في لنحرقنه انه يجوز أن يكون حرّق مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. وعليه القراءة الثالثة، وهي قراءة على بن أبى طالب رضى الله عنه لَنَنْسِفَنَّهُ بكسر السين وضمها، وهذه عقوبة ثالثة وهي إبطال ما افتتن
أثوى وأقصر ليله ليزودا | فمضت وأخلف من قتيلة موعدا |
ومضى لحاجته وأصبح حبله | خلقا وكان بحالة لن ينكدا |
وأخلف الموعد من قتيلة، أى: وجده خلفا، فسافر كما كان إلى حاجته، واستعار الحبل للوداد أو للطمع فيه على طريق التصريحية والخلق ترشيح، أى: يئس من مودته، وكان الحبل أو العاشق بحالة حسنة، هي أنه لن ينكدا، أى لن يتنغص، ولن يتكدر، ولن يتعسر شأنه، وزوال النعمة بعد نوالها يشق على النفس، وخلق- بالضم- فهو خلق، كحسن، وهو في الأصل مصدر. وينكد كيتعب.