سلم الله عليه في هذه الأحوال، قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ١٧]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧)
إِذِ
بدل من مَرْيَمَ
بدل الاشتمال، لأنّ الأحيان مشتملة على ما فيها. وفيه أنّ المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا، لوقوع هذه القصة العجيبة فيه. والانتباذ: الاعتزال والانفراد، تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقى بيت المقدس، أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل:
قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أو بشيء يسترها، وكان موضعها المسجد، فإذا حاضت تحوّلت إلى بيت خالتها، فإذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي في مغتسلها أتاها الملك في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوىّ الخلق، لم ينتقص من الصورة الآدمية شيئا. أو حسن الصورة مستوى الخلق، وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه. ودلّ على عفافها وورعها أنها تعوّذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن، وكان تمثيله على تلك الصفة ابتلاء لها وسبرا لعفتها. وقيل: كانت في منزل زوج أختها زكريا ولها محراب على حدة تسكنه، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها الباب، فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلى رأسها، فانفجر السقف لها فخرجت فجلست في المشرفة وراء الجبل فأتاها الملك.
وقيل: قام بين يديها في صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس. وقيل: إنّ النصارى اتخذت المشرق قبلة لانتباذ مريم مكانا شرقيا. الروح: جبريل، لأنّ الدين يحيا به وبوحيه. أو سماه الله روحه على المجاز محبة له وتقريبا، كما تقول لحبيبك: أنت روحي. وقرأ أبو حيوة: روحنا، بالفتح، لأنه سبب لما فيه روح العباد، وإصابة الرّوح عند الله الذي هو عدّة المقرّبين في قوله فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ أو لأنه من المقرّبين وهم الموعودون بالروح، أى: مقرّبنا وذا روحنا.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٨]
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)
أرادت إن كان يرجى منك أن تتقى الله وتخشاه وتحفل بالاستعاذة به، فإنى عائدة به منك كقوله تعالى بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)