قوله جل ذكره:
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٢]
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)
هذه وصية له- صلّى الله عليه وسلّم- فى باب الفقراء والمستضعفين، وذلك لما قصروا لسان المعارضة عن استدفاع ما كانوا بصدده من أمر إخلاء الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- مجلسه منهم، وسكنوا متضرعين بقلوبهم بين يدى الله أراد أن يبيّن له أثر حسن الابتهال فتولّى- سبحانه- خصيمتهم.
وقال: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» : لا تنظر يا محمد إلى خرقتهم على ظاهرهم وانظر إلى حرقتهم فى سرائرهم «١» ويقال كانوا مستورين بحالتهم فشهرهم بأن أظهر قصتهم، ولولا أنه- سبحانه- قال «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» فشهد لهم بالإرادة وإلا فمن يتجاسر أن يقول إن شخصا مخلوقا يريد الحق سبحانه؟
ويقال إذا كانت الإرادة لا تتعلق- فى التحقيق- إلا بالحدوث، وحقيقة الصمدية متقدسة عن الاتصاف بالحدثان، فمن المعلوم أن هذه الإرادة ليست بمعنى المشيئة، ولا كاشتقاق أهل اللغة لها «٢».
فيقال تكلم الناس فى الإرادة: وأكثر تحقيقها أنها احتياج يحصل فى القلوب يسلب
(٢) يقول القشيري فى هذا المعنى فى «رسالته» : المريد- على موجب الاشتقاق- من له إرادة كالعالم من له علم، لأنه من الأسماء المشتقة، ولكن المريد- في عرف هذه الطائفة من لا إرادة له، فمن لم يتجرد عن إرادته لا يكون مريدا (الرسالة ص ١٠١)