قوله جل ذكره: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ الكناية فى الهاء من «عَلَيْهِ» تعود إلى الرسول عليه السلام، ويحتمل أن تكون عائدة إلى الصديق رضى الله عنه، فإن حملت على الصديق تكون خصوصية له من بين المؤمنين على الانفراد، فقد قال عز وجلّ لجميع المؤمنين: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» «١».
وقال للصدّيق- على التخصيص- فأنزل الله سكينته عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يتجلّى للناس عامة ويتجلّى لأبى بكر خاصة» «٢».
وإنما كان حزن الصديق ذلك اليوم لأجل الرسول- صلى الله عليه وسلم- إشفاقا عليه.. لا لأجل نفسه. ثم إنه- عليه السلام- نفى حزنه وسلّاه بأن قال: «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا»، وحزن لا يذهب إلا لمعيّة الحقّ لا يكون إلّا «لحقّ الحق» «٣».
قوله جل ذكره: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يريد به النبي صلى الله عليه وسلم. وتلك الجنود وفود زوائد اليقين على أسراره بتجلّى الكشوفات.
«وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» بإظهار حجج دينه، وتمهيد سبل حقّه ويقينه فرايات الحقّ إلى الأبد عالية، وتمويهات الباطل واهية، وحزب الحقّ منصورون، ووفد الباطل مقهورون.

(١) آية ٤ سورة الفتح
(٢) يتأيد كلام القشيري عن خصوصية أبى بكر بنزول السكينة على قلبه بما يروى عن يوم بدر، فحينما قال النبي عليه السلام «اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد فى الأرض من بعد ذلك» قال له أبو بكر:
دع عنك مناشدتك ربك فإنه والله منجز لك ما وعدك وهو قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [مسلم والترمذي عن ابن عباس عن عمر]
(٣) لأنه ليس حزنا مرتبطا بحظ من حظوظ النفس ولكنه لحق الحق


الصفحة التالية
Icon