يريد به المتخلفين عنه فى غزوة «تبوك»، بيّن سبحانه أنه لو كانت المسافة قريبة، والأمر هيّنا لما تخلّفوا عنك لأنّ من كان غير متحقّق فى قصده كان غير بالغ فى جهده، يعيش على حرف، ويتصرّف بحرف، فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه. وقال تعالى: «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» «١».
فإذا رأيت المريد يتّبع الرّخص ويجنح إلى الكسل، ويتعلّل بالتأويلات.. فاعلم أنه منصرف عن الطريق، متخلّف عن السلوك، وأنشدوا:
وكذا الملول إذا أراد قطيعة... ملّ الوصال وقال: كان وكانا
ومن جدّ فى الطلب لم يعرّج فى أوطان الفشل، ويواصل السير والسّرى، ولا يحتشم من مقاساة الكدّ والعناء، وأنشدوا:

ثم قطعت الليل فى مهمة لا أسدا أخشى ولا ذيبا
يغلبنى شوقى فأطوى السّرى ولم يزل ذو الشوق مغلوبا
قوله: «وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ» : يمين المتعلّل والمتأوّل يمين فاجرة تشهد بكذبها عيون الفراسة، وتنفر منها القلوب، فلا تجد من القلوب محلا.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٣]
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)
لم يكن منه ﷺ خرق حدّ أو تعاطى محظور، وإنما (تذر) «٢» منه ترك ما هو الأولى. قدّم الله ذكر العفو على الخطاب الذي هو فى صورة العتاب بقوله: «لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ».
أو من جواز الزّلة على الأنبياء- عليهم السلام- إذ لم يكن ذلك فى تبليغ أمر
(١) آية ٢١ سورة محمد.
(٢) هكذا فى (ص) وربما كانت (بدر) فى الأصل أي صدر عنه أما (نذر) فتفيد (قل) منه ترك ما هو الأولى، وكلاهما لا يرفضه السياق.


الصفحة التالية
Icon