بيّن أن ما حسبوه نعمة واعتدّوه من الله منّة فهو- فى التحقيق- محنّة، وسبب شقاء وفرقة، وإنما دسّ التقدير لهم سموم الصّاب، فيما استلذوه من الشراب «أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ» «١».
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٦]
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)
التّقرّب بالأيمان الفاجرة لا يوجب للقلوب إلا بعدا عن القبول.
ويقال إنّ إظهار التلبيس لا (... ) «٢» الأسرار بردّ السكون، ولا يشفى البصائر بردّ الثقة واليقين.. فما لا يكون فلا يكون بحيلة أبدا، وما هو كائن سيكون.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٧]
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)
إن المماذق «٣» فى الخلّة ينسلّ عن سلكها بأضعف خلّة، وإن وجد مهربا آوى إليه، ويأمل أن ينال فرصة ما يتعلّل بها عند ذلك.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٨]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨)
أولئك أصحاب الأطماع يتملقون فى الظاهر ما دامت الأرفاق واصلة إليهم، فإن انقطعت انقلبوا كأن لم يكن بينكم وبينهم مودة.
ويقال من كان رضاؤه يوجدان سبب، وسخطه فى عدم ما يوصّله إلى نصيبه فهو ليس من أهل الولاء، إنما هو قائم بحظّه، غير صالح للصحبة، وأمّا المتحقّق فكما قيل:
فسرت إليك فى طلب المعالي... وسار سواى فى طلب المعاش
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٩]
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
(٢) مشتبهة.
(٣) مذق فلان فى الود أي لم يخلص، والمذاق الكذوب الملول. والمقصود أن من لم يخلص فى مودته يتنصل بأضعف صفة ولأقل شىء.