«١»
جرّد العفو والعذاب من علّة الجرم، وسبب الفعل من حجّة العبد حيث أحال الأمر على المشيئة.. إذ لو كان الموجب لعفوه أو تعذيبه صفة العبد لسوّى بينهم عند تساويهم فى الوصف، فلمّا اشتركوا فى الكفر بعد الإيمان، وعفا عن بعضهم وعذّب بعضهم دلّ على أنه يفعل ما يشاء، ويختصّ من يشاء بما يشاء «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٧]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧)
المؤمن بالمؤمن يتقوّى، والمنافق بالمنافق يتعاضد، وطيور السماء على ألّافها تقع.
فالمنافق لصاحبه أسّ «٣» به قوامه، وأصل به قيامه بعينه على فساده، ويعمّى عليه طريق رشاده.
والمؤمن ينصر المؤمن ويبّصره عيوبه، ويبّغض لديه ويقبّح- فى عينه- ذنوبه، وهو على السداد ينجده، وعن الفساد يبعده.
قوله جل ذكره: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ.
عن طلب الحوائج من الله تعالى قوله جل ذكره: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ.
جازاهم على نسيانهم، فسمّى جزاء النسيان نسيانا.. تركوا طاعته، وآثروا مخالفته، فتركهم وما اختاروه لأنفسهم، قال تعالى: «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ».

(١) أخطأ الناسخ إذ أنهى الآية: (بأنهم كانوا مجرمون).
(٢) هذه لفتة هامة تشير إلى المذهب الكلامى عند القشيري فيما يتصل بوجوب الإثابة أو العقوبة على الله وعدم وجوبهما.
(٣) الأس بفتح الألف وضعها وكسرها: أصل البناء. [.....]


الصفحة التالية
Icon