منهم من أكّد العقد مع الله، ثم نقضه، فلحقه شؤم ذلك فبقى خالدا فى نفاقه.
ويقال تطلّب إحسان ربّه، وتقرّب إليه بإبرام عهده فلمّا حقّق الله مسئوله واستجاب مأموله، فسخ ما أبرمه، وانسلخ عما التزمه، واستولى عليه البخل، فضنّ بإخراج حقه، فلحقه شؤم نفاقه، بأن بقي إلى الأبد فى أسره.
وحدّ البخل- على لسان العلم- منع الواجب. وبخل كلّ أحد على ما يليق بحاله، وكلّ من آثر شيئا من دون رضاء ربّه فقد اتصف ببخله، فمن يبخل بماله تزل عنه البركة حتى يئول إلى وارث أو يزول بحارث. ومن يبخل بنفسه ويتقاعس عن طاعته تفارقه الصحة حتى لا يستمتع بحياته. والذي يبخل بروحه عنه يعاقب بالخذلان حتى تكون حياته سببا لشقائه.
قوله جلّ ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٧]
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)
أعقبهم ببخلهم نفاقا فى قلوبهم، ويصحّ أعقبهم الله نفاقا فى قلوبهم، وفى الجملة: من نقض عهده فى نفسه رفض الودّ من أصله، وكلّ من أظهر فى الجملة خيرا واستبطن شرا فقد نافق بقسطه. والمنافق فى الصف الأخير فى دنياه، وفى الدّرك الأسفل من النار فى عقباه.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٨]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)
خوّفهم بعلمه كما خوّفهم بفعله فى أكثر من موضع من كتابه.
و «سِرَّهُمْ» مالا يطلع عليه غير الله.
و «نَجْواهُمْ» ما يتسارّون بعضهم مع بعض. ويحتمل أن يكون ما لنفوسهم عليه إشراف من خواطرهم»