ويقال هو الذي يعلم أنّ الحادثات كلّها من الله تعالى.
ويقال هو الذي يقوم بحقوق ما نيط به أمره فلو كان طير فى حكمه وقصّر فى علفه- لم يكن محسنا.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٢]
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)
منعهم الفقر عن الحراك فالتمسوا من الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يحملهم معه ويهبىء أسبابهم، ولم يكن فى الحال للرسول عليه السلام سعة ليوافق سؤلهم، وفى حالة ضيق صدره- صلى الله عليه وسلم- حلف إنه لا يحملهم، ثم رآهم ﷺ يتأهبون للخروج، وقالوا فى ذلك، فقال عليه السلام: إنما يحملكم الله.
فلمّا ردّهم الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن الإجابة فى أن يحملهم رجعوا عنه بوصف الخيبة كما قال تعالى: «تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» كما قال قائلهم:
قال لى من أحبّ والبين قد | حلّ ودمعى مرافق لشهيقى |
ما ترى فى الطريق تصنع بعدي؟ قلت: أبكى عليك طول الطريق قوله:
«حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» شقّ عليهم أن يكون على قلب الرسول- صلى الله عليه وسلم- بسببهم شغل فتمنّوا أن لو أزيح هذا الشغل، لا ميلا إلى الدنيا ولكن لئلا تعود إلى قلبه- عليه السلام- من قبلهم كراهة، ولهذا قيل:
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه | وأخو الحوائج ممجج مملول |
ثم إنّ الحقّ- سبحانه- لمّا علم ذلك منهم، وتمحضت قلوبهم للتعلّق بالله، وخلت عقائدهم عن مساكنة مخلوق تدارك الله أحوالهم فأمر الله رسوله عليه السلام أن يحملهم.. بذلك جرت سنّته، فقال:
«وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا» «١»