«الرَّحِيمِ» الذي يقرّب من تقرّب إليه، ويجزل البرّ لمن توسّل به إليه «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢١٨]
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨)
اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخلق، فإنّ من علم أنه بمشهد من الحقّ راعى دقائق أحواله، وخفايا أموره مع الحقّ «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢١٩]
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩)
هوّن عليه معاناة مشاقّ العبادة بإخباره برؤيته. ولا مشقّة لمن يعلم أنّه بمرأى من مولاه، وإنّ حمل الجبال الرواسي على شفر «٣» جفن العين ليهون عند من يشاهد ربّه «٤».
ويقال «تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» بين أصحابك، فهم نجوم وأنت بينهم بدر، أو هم بدور وأنت بينهم شمس، أو هم شموس وأنت بينهم شمس الشموس.
ويقال: تقلبك في أصلاب آبائك من المسلمين الذين عرفوا الله، فسجدوا له دون من لم يعرفوه.
قوله جل ذكره:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٠]
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
«السَّمِيعُ» لأنين المحبين، «الْعَلِيمُ» بحنين العارفين.
«السَّمِيعُ» لأنين المذنبين، «الْعَلِيمُ» بأحوال المطيعين.

(١) هذه الإشارة نموذج طيب لعبقرية القشيري عند صياغة (وصاياه) للمريدين من الناحيتين الصوفية والأدبية.
(٢) يقال إنه لما دخل ذو النون المصري بغداد اجتمع إليه الصوفية، ومعهم قوال، فاستأذنوا ذا النون أن يقول بين يديه شيئا، فأذن له، فابتدأ يقول، فقام ذو النون وسقط على وجهه والدم يقطر من جبينه ولا يسقط على الأرض. ثم قام رجل من القوم يتواجد، فقال له ذو النون: «الذي يراك حين تقوم» فجلس الرجل.
ويعلق الشيخ الدقاق على هذه القصة بأن ذا النون كان صاحب إشراف على هذا الرجل، وكان الرجل صاحب إنصاف حين قبل منه ذلك فرجع وقعد (الرسالة ص ١٧٠).
(٣) شفر الجفن- حرفه الذي ينبت عليه الهدب. (الوسيط).
(٤) يربط النسفي بين هذه الآية وبين الآيتين السابقة واللاحقة، فالمعنى عنده: أنه سبحانه (يراك حين تقوم) متهجدا، ويرى (تقلبك) فى المصلين يرى ما كنت تفعل في جوف الليل من قيامك للتهجد، وتقلبك في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابك لتطلع عليهم من حيث لا يشعرون، ولتعلم كيف كانوا يعملون لآخرتهم.
وهو (سميع) لما تقوله، (عليم) بما تنويه وبما تعمله، وبذلك هوّن عليه معاناة كل مشقة حيث أخبر برؤيته له في كل ما يقوم به.
(تفسير النسفي ج ٣ ص ١٩٩) ط عيسى الحلبي.


الصفحة التالية
Icon