أي أن الذي أكرمك بإنزال القرآن عليك هو الذي بحفظك عن الأسواء والأعداء وصنوف البلاء.
قوله جل ذكره:
[سورة النمل (٢٧) : آية ٧]
إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)
سار موسى بأهله من مدين شعيب متوجها إلى مصر، ودجا عليه الليل، وأخذ امرأته الطّلق وهبّت الرياح الباردة، ولم يور الزّند، وضاق على موسى الأمر، واستبهم الوقت، وتشتتت به الهمة، واستولى على قلبه الشغل. ثم رأى نارا من بعيد، فقال لأهله: امكثوا إنّى أبصرت نارا. وفي القصة: إنه تشتت أغنامه، وكانت له بقور وثيران تحمل متاعه فشردت، فقالت امرأته:
كيف تتركنا وتمضى والوادي مسبع؟!.
فقال: امكثوا.. فإنى لأجلكم أمضى وأتعرف أمر هذه النار، لعلّى آتيكم منها إمّا بقبس أو شعلة، أو بخبر عن قوم نزول عليها تكون لنا بهم استعانة، ومن جهتهم انتفاع. وبدت لعينه تلك النار قريبة، فكان يمشى نحوها، وهي تتباعد حتى قرب منها، فرأى شجرة رطبة خضراء تشتعل كلّها من أولها إلى آخرها، وهي نار مضيئة، فجمع خشيبات وأراد أن يقتبس منها، فعند ذلك سمع النداء من الله لا من الشجرة كما توهّم المخالفون من أهل البدع. وحصل الإجماع أنّ موسى سمع تلك الليلة كلام الله، ولو كان النداء في الشجرة لكان المتكلم به الشجرة، ولأجل الإجماع قلنا: لم يكن النداء في الشجرة «١». وإلا فنحن نجوّز أن يخلق الله نداء فى الشجرة ويكون تعريفا، ولكن حينئذ يكون المتكلم بذلك الشجرة.
وهذا هو نفس الرأى بالنسبة للقرآن، وهذا هو الجواب الذي دحض به السلف زعم الجهمية حينما أرادوا أن يثبتوا أن القرآن مخلوق، لأن القرآن شىء، «والله خالق كل شىء» (انظر مدارج السالكين لابن القيم ج ١ ص ٢٢٢) فيكون النداء الذي سمع من الشجرة كالكلام الذي بين دفتى المصحف.. كلاهما كلام الله- على الحقيقة، ولكن من حيث التجوز في التعبير يقال (فى الشجرة) و (فى المصحف).