ما عدّه، فلم يتغير سليمان- عليه السلام- لذلك، ولم يستفزّه الطمع فيما سمع عن هذا كما يحدث من عادة الملوك في الطمع في ملك غيرهم، فلما قال:
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٤]
وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)
فعند ذلك غاظ هذا سليمان، وغضب في الله، و:
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٧]
قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧)
وفي هذا دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم فيجب التوقف فيه على حدّ التجويز، وفيه دلالة على أنه لا يطرح بل يجب أن بتعرّف: هل هو صدق أم كذب؟ «١» ولمّا عرف سليمان هذا العذر ترك عقوبته وما توعّده به.. وكذلك سبيل الوالي فإنّ عدله يمنعه من الحيف على رعيته، ويقبل عذر من وجده في صورة المجرمين إذا صدق في اعتذاره.
قوله جل ذكره:
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٨]
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)
فى الآية إشارة إلى أنه لا ينبغى للإنسان أن يذكر بين يدى الملوك كلّ كلمة، فإنه يجرّ العناء بذلك إلى نفسه وقد كان لسليمان من الخدم والحشم ومن يأتمر بأمره الكثير، ولكنه لم يستعمل واحدا في هذا التكليف إلا الهدهد لأنه هو الذي قال ما قال، فلزمه الخروج من عهدة ما قال.
ويقال لمّا صدق فيما أخبر لملكه عوّض عليه فأهّل للسفارة والرسالة- على ضعف صورته «٢».
(٢) هنا إشارة بعيدة إلى الرسل والأولياء، ودحض لما يقال عنهم من التهم.