لمّا ألقته في الماء سكّن الله قلبها، وربط عليه، وألهمها الصبر، وأصبح فؤادها فارغا إن كادت لتبدى به من حيث ضعف «١» البشرية، ولكن الله ربط على قلبها.
قوله جل ذكره:
[سورة القصص (٢٨) : آية ١١]
وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١)
أمرت أمّ موسى أخته أن تتبع أثره، وتنظر إلى ماذا يئول أمره، فلمّا وجدوه واستمكن حبّه من قلوبهم طلبوا من يرضعه:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)
أبى موسى قبول ثدى واحدة ممن عرض عليهن.. فمن بالغداة كانوا في اهتمام كيف يقتلونه أمسوا- وهم في جهدهم- كيف يغذّونه «٢» ! فلمّا أعياهم أمره، قالت لهم أخته: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ؟» فقبلوا نصيحتها شفقة منهم عليه، وقالوا: نعم، فردّوه إلى أمّه «٣»، فلمّا وضعت ثديها في فمه ارتضعها موسى فسرّوا بذلك، وكانوا يدعون أمّه حاضنة ومرضعة.. ولم يضرها، وكانوا يقولون عن فوعون: إنه أبوه.. ولم ينفعه ذلك «٤» !
(٢) هكذا في م، وفي ص (يعذبونه) وهي خطأ في النسخ كما هو واضح.
(٣) هكذا في م، وفي ص (آمره) وهي خطأ في النسخ كما هو واضح.
(٤) يقصد القشيري إلى شىء بعيد هو أن أحكام الناس ليست بالضرورة صائبة، وأن للأمور حقائق وجواهر وبواطن خافية، وأن أسماء الأشياء وظواهرها لا عبرة بها.