ولمّا أخذته أمّه علمت بتصديق الله ظنها، وسكن عن الانزعاج قلبها، وجرى من قصة فرعون ما جرى.
قوله جل ذكره:
[سورة القصص (٢٨) : آية ١٤]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤)
لمّا كملت سنّة وتمّ عقله، واستوى كمال خصاله «آتَيْناهُ حُكْماً» : أي أتممنا له التحصيل، ووفّرنا له العلم، وبذلك جرت سنّتنا مع الأكابر والأنبياء.
قوله جل ذكره:
[سورة القصص (٢٨) : آية ١٥]
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)
الآية.
قيل: دخل المدينة في وقت الهاجرة، وتفرّق الناس، فوجد فيها رجلين يتخاصمان: أحدهما إسرائيليّ من شيعة موسى وعلى دينه، والآخر قبطيّ مخالف لهما، فاستغاث الإسرائيليّ بموسى على القبطي، فوكزه موسى ليدفعه عن الإسرائيلى، فمات الرجل بذلك الوكز، ولم يكن موسى يقصد قتله، فقال موسى: - «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ».
فقد تمنّى موسى أن لو دفعه عنه بأيسر مما دفعه، ولم ينسب القتل إلى الشيطان «١»، ولكنّ دفعه عنه بالغلظة نسبه إلى الشيطان بأن حمله على تلك الحدّة.
وهكذا.. إذا أراد الله أمرا أجرى أسبابا ليحصل بها مراده، ولولا أنه أراد فتنة موسى لما قبض روح الرجل بمثل تلك الوكزة، فقد يضرب الرجل الكثير من الضّرب والسياط ثم لا يموت فموت القبطي بوكزة اجراء لما قضاه وأراده.