ويقال: لم يجحد حقّ تربيته، والإحسان إليه في الظاهر، ولكن بيّن أنه إذا أمر الله بشىء وجب اتباع أمره. ولكن إذا كانت تربية المخلوقين توجب حقّا فتربية الله أولى بأن يعظّم العبد قدرها «١».
قوله: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» : يجوز حمله على ظاهره، وأنه خاف منهم على نفسه.
والفرار- عند عدم الطاقة- غير مذموم عند كلّ أحد «٢».
ويقال: فررت منكم لمّا خفت أن تنزل بكم عقوبة من الله لشؤم شرككم، أو من قول فرعون: «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢]
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)
ذكر فرعون- من جملة ما عدّ على موسى من وجوه الإحسان إليه- أنه استحياه بين بنى إسرائيل، ودفع عنه القتل، فقال موسى: أو تلك نعمة تمنها عليّ؟ هل استعبادك لبنى إسرائيل يعدّ نعمة؟ إنّ ذلك ليس بنعمة، ولا لك فيها منّة».
قوله جل ذكره:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٣]
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣)
نظر اللعين بجهله، وسأل على النحو الذي يليق بغيّه فسأل بلفظ «ما» - و «ما» يستخبر بها عمّا لا يعقل، فقال: «وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟».
ولكنّ موسى أعرض عن لفظه ومقتضاه، وأخبر عمّا يصحّ في وصفه تعالى فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٤]
قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤).
(٢) نتذكر كيف فر القشيري نفسه من المشرق الإسلامى عند ما أحدقت به الأخطار، وهدد السلطان الجائر حياته وعقيدته، فلم تلن قناته، وهرب بعقيدته إلى حيث يسلم هو ورفاقه (أنظر مدخل الكتاب). [.....]
(٣) آية ٣٨ سورة القصص.
(٤) لأن تعبيدهم وذبح أبنائهم هما سببا حصوله عنده وتربيته له، ولو تركهم لرباه أبواه شأن أي طفل.. فليس هنا نعمة ولا منة، لأن القصد كان إذلال أهله لا الإحسان إليهم أو إليه.