الفرق بين التفسير والتحريف والتأويل والتبديل، ولو كان لكل مبتدع أن يحمله على ما يوافق هواه، بطل كونه فرقا بين الحق والباطل. وقد ثبت أنه يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. وهذا لا يتم إلا بحراسته من دعاوى المبطلين في تصرفاتهم واحتيالهم على التشويش فيه، ولبس صوادعه وقواطعه بخوافيه، وهذه هذه فليهتم المعظم له بمعرفتها، ويتأملها حق التأمل، ويتعرف أسبابها ممن قد مارسها» وقد أوضحها رضي الله عنه في كتابه المذكور، وجوّد الكلام عليها ثم قال:
فإذا عرفت ذلك فلا غنى عن معرفة مراتب المفسرين، حيث يكون التفسير راجعا إلى الرواية ثم مراتب التفسير، حيث يكون التفسير راجعا إلى الدراية.
أما مراتب المفسرين: فخيرهم الصحابة رضي الله عنهم، لما ثبت من الثناء عليهم في الكتاب والسنة، ولأن القرآن أنزل على لغتهم، فالغلط أبعد عنهم من غيرهم، ولأنهم سألوا رسول الله ﷺ عما أشكل عليهم، وأكثرهم تفسيرا حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد جمع عنه تفسير كامل، ولم يتفق مثل ذلك لغيره من الصدر الأول الذين عليهم في مثل ذلك المعوّل، ومتى صح الإسناد إليه كان تفسيره من أصح التفاسير، مقدما على كثير من الأئمة الجماهير، وذلك لوجوه:
أولها: أن رسول الله ﷺ دعا له بالفقه في الدين، وتعلّم التأويل أي التفسير، وصح ذلك واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله طرق في مجمع الزوائد. وقال الحافظ أبو مسعود في أطرافه: إنه مما أخرجه البخاري ومسلم بكماله.
وفيهما من غير طريق أبي مسعود عند سائر الرواة «اللهم علمه الكتاب والحكمة»
وفي رواية «اللهم فقهه في الدين»
. وفي رواية الترمذي: أنه رأى جبريل عليه السلام مرتين، ودعا له النبي ﷺ بالحكمة مرتين. وينبغي معرفة سائر مناقبه مع ذلك في مواضعها، ولولا خوف الإطالة لذكرتها.
وثانيها: أن الصحابة اتفقوا على تعظيمه في العلم عموما، وفي التفسير خصوصا، وسموه البحر والحبر وشاع ذلك فيهم من غير نكير، وظهرت إجابة الدعوة النبوية فيه، وقصة عمر معه، رضي الله عنهما، مشهورة، في سبب تقديمه وتفضيله على من هو أكبر منه من الصحابة، وامتحانه في ذلك «١».