المهتدين، ويشرق في قلبه نور الإيقان، وتطلع في بصيرته شمس العرفان، ويتبوأ في الدنيا والآخرة مكانا عليا، وتدرج النبوة بين جنبيه وإن لم يكن نبيا.
وإني كنت حركت الهمة إلى تحصيل ما فيه من الفنون، والاكتحال بإثمد مطالبه لتنوير العيون، فأكببت على النظر فيه، وشغفت بتدبر لآلئ عقوده ودراريه.
وتصفحت ما قدر لي من تفاسير السابقين، وتعرفت، حين درست، ما تخللها من الغث والسمين. ورأيت كلّا، بقدر وسعه، حام حول مقاصده. وبمقدار طاقته، جال في ميدان دلائله وشواهده. وبعد أن صرفت في الكشف عن حقائقه شطرا من عمري. ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرا من دهري. أردت أن أنخرط في سلك مفسريه الأكابر. قبل أن تبلى السرائر وتفنى العناصر. وأكون بخدمته موسوما، وفي حملته منظوما. فشحذت كليل العزم، وأيقظت نائم الهم. واستخرت الله تعالى في تقرير قواعده، وتفسير مقاصده. في كتاب اسمه بعون الله الجليل: «محاسن التأويل»، أودعه ما صفا من التحقيقات، وأوشّحه بمباحث هي المهمات. وأوضح فيه خزائن الأسرار. وأنقد فيه نتائج الأفكار، وأسوق إليه فوائد التقطتها من تفاسير السلف الغابر. وفرائد عثرت عليها في غضون الدفاتر. وزوائد استنبطتها بفكري القاصر. مما قادني الدليل إليه. وقوي اعتمادي عليه. وسيحمد السابح في لججه، والسانح في حججه، ما أودعته من نفائسه الغريبة البرهان، وأوردته من أحاديثه الصحاح والحسان، وبدائعه الباهرة للأذهان، فإنها لباب اللباب، ومهتدى أولي الألباب. ولم أطل ذيول الأبحاث بغرائب التدقيقات، بل اخترت حسن الإيجاز في حل المشكلات. اللهم إلا إذا قابلت فرسان مضمار الحق جولة الباطلات، فهنالك تصوّب أسنّة البراهين نحو نحور الشبهات.
ولا يخفى أن من القضايا المسلمة، والمقدمات الضرورية، أنه مهما تأنق الخبير في تحبير دقائقه السميّة، فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة، وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة، إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب، وما تضمنه من لباب اللباب، لأنه منطو على أسرار مصونة، وجواهر حكم مكنونة لا يكشفها بالتحقيق إلا من اجتباه مولاه، ولا تتبين حقائقها إلا بالتلقى عن خيرته ومصطفاه.