قال الإمام مالك في «الموطأ» : السنّة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنّه: لا تجوز وصيّة لوارث إلّا أن يجيز له ذلك ورثة الميّت.
وذهبت طائفة إلى أنّ الآية محكمة لا تخالف آية المواريث. والمعنى: كتب عليكم ما أوصاكم به من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ أو كتب على المحتضر: أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم، وأن لا ينقص من أنصبائهم! فلا منافاة بين ثبوت الميراث للأقرباء، مع ثبوت الوصية بالميراث عطيّة من الله تعالى، والوصية عطيّة ممن حضره الموت. فالوارث جمع له بين الوصيّة والميراث بحكم الآيتين. ولو فرض المنافاة، لأمكن جعل آية الميراث مخصّصة لهذه الآية. بإبقاء القريب الذي لا يكون وارثا لأجل صلة الرحم. فقد أكد تعالى الإحسان إلى الأرحام وذوي القربى في غير ما آية، فتكون الوصية للأقارب الذين لا يرثون عصبة، أو ذوي رحم مفروضة..! قالوا: ونسخ وجوبها للوالدين والأقربين الوارثين لا يستلزم نسخ وجوبها في غيرهم..!.
ومما استدلّ به على وجوب الوصيّة، من السنّة:
خبر الصحيحين «١» عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٢» : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده
. قال ابن عمر: ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك إلّا وعندي وصيّتي..! والآيات والأحاديث- بالأمر ببرّ الأقارب والإحسان إليهم- كثيرة جدّا..!.
ظهر لي في آية كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ... إلخ- وكان درسنا صباحا من البخاريّ في كتاب (الوصايا) - أنّ هذه الآية ليست منسوخة- كما قيل- بل هي محكمة بطريقة لا أدري هل أحد سبقني بها أم لا؟ فإني- في تفسيري المسمّى بمحاسن التأويل- نقلت هناك مذاهب العلماء، ولا يحضرني الآن أن ما سأذكره مأثور أم لا؟ وهو أنّ هذه الآية مع آية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ، متلاقيتان في المعنى، من حيث إنّ المراد بالوصيّة: وصية الله في إيتاء ذوي الحقوق حقوقهم، وعدم الغض منها، والحذر من تبديلها، لما يلحق المبدّل من الوعيد الشديد..!
وخلاصة المعنى على ما ظهر:
وأخرجه مسلم في: الوصية، حديث رقم ١.
(٢) أخرجه مسلم في: الوصية، حديث رقم ٤.