انتفاعه به. فيختار لإناث هذه الحيوانات أفحلا كريمة، هي على ما يرومه من الصفات، ليحصل منها على نسل أنفع له من أمهاته. وقد زادت رغبة الناس بهذا العصر في إصلاح النوع النافع من الحيوان. فضرّبوه ورقوه باختيار الأفحل المناسبة، حتى حصلوا على صنف من الخيل الجياد تسابق الرياح فتجري (١٦) مترا في الثانية من الزمن. وعلى صنف من البقر تحلب في اليوم الواحد خمسين أقة. وعلى صنف من المعزى والغنم شعره أو صوفه مثل الحرير نعومة. ولم يقصر إصلاحهم على الحيوان، بل تجاوز إلى النبات. فحصلوا بفضله على أشجار كثيرة الثمر لذيذته. وانتفعوا انتفاعا كبيرا، ما تيسر لأسلافهم. نعم إن البشر افتكروا في إصلاح الحيوان الصامت والنبات، وعلموا ما فيه من الفوائد، فسعوا إليه السعي الذي يرضاه العلم، وجنوا ثمار ذلك السعي. ولكنهم ما افتكروا في إصلاح ما هو أهمّ من كل ذلك: في إصلاح الحيوان الذكيّ، والشرير أكثر من الصالح، والجبان أكثر من الشجاع، والكاذب أكثر من الصادق، والكسلان أكثر من أخي الجد النشيط. ولو أنهم أصلحوا نسلهم لما وجد في الناس من يولد مريضا ويعيش مريضا. فلا ينتفع بوجوده المجتمع، وهو كثير. قام من بين هذا الجيل فيلسوفان: ألمانيّ وانكليزيّ. وأخذا يعلمان بكتاباتهما المبنيّة على البراهين وجوب إصلاح الإنسان لنسل الإنسان. ويعددان فوائد الإصلاح لنوعه. ويبيّنان للملأ أن الرقي المطلوب لا يتم إلا به. وطفقا يلومان الناس على اعتنائهم بإصلاح المواشي وإهمالهم إصلاح أنفسهم. الأمر الذي هو أهم من ذلك كثيرا. وذكرا لذلك طرقا: (منها) منع أصحاب العاهات والأمراض المزمنة وأولي الجرائم الكبيرة من الزواج لينقطع نسلهم الذي يجيء غالبا على شاكلتهم. (ومنها) إباحة تعدد الزوجات للنابغين من الرجال ليكثر نسلهم. وقالا: إذا جرى المجتمع على هذا الانتخاب الصناعي قرونا عديدة كان نسل الإنسان الأخير، بحكم ناموس الوراثة، سالما من الأمراض. حسن الطوية. ليس فيه ميل إلى الشر. قويّا. ذكي الفؤاد. نابغا في العلوم. التي يتعلمها. كأنه نوع أرقى من الإنسان الحاضر. وكانت أهم طريقة أبدياها للارتقاء المنتظر للبشر في المستقبل، هي طريقة تعدد الزوجات في الحاضر للنابغين من الناس. فإن منع أصحاب الأمراض المزمنة والجناة من الزواج إنما يفيد في تقوية النسل وجعله ميالا بالفطرة إلى الخير ليس إلا، لا في جعله أذكى من آبائه وأسمى مدارك. وتعدد الزوجات للنابغين من المسلمين، قد جاء به الإسلام قبل هذين الفيلسوفين بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة. فقد أباح لهم تعددهن إلى