فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب. ورواه مالك في موطئه «١». وبهذا القول، وهو عدم أداء البدل، بقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعيّ وعطية العوفيّ والحسن البصريّ.
والوجه الثاني- يردّ. لأن مال اليتيم على الحظر. وإنما أبيح للحاجة. فيردّ بدله. كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وإلى اليتيم. إن استغنيت استعففت. وإن احتجت استقرضت. فإذا أيسرت قضيت.
وروى سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال قال لي عمر رضي الله عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه. فإذا أيسرت رددته. وإن استغنيت استعففت. قال ابن كثير:
إسناد صحيح.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعني القرض. قال وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل، وسعيد بن جبير (في إحدى الروايات) ومجاهد والضحاك والشعبيّ والسدّيّ نحو ذلك. قال الفخر الرازيّ: وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب والفضة وغيرها. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وهذا قول أبي العالية وغيره. واحتجوا بأن الله تعالى قال: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، فحكم في الأموال بدفعها إليهم. انتهى.
أقول: الكل محتمل. إذ لا نص من الأصلين على واحد منها. ولا يخفى الورع. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي بعد البلوغ والرشد فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أي عند الدفع بأنهم قبضوها. فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة. قال السيوطيّ: فيه الأمر بالإشهاد ندبا. وقيل: وجوبا. ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ، لا الوليّ.

(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في: صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث ٣٣ ونصه: عن القاسم بن محمد قال:
جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيما وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلطّ حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب.


الصفحة التالية
Icon