وأخرج أيضاً عن عبد الله بن بُريدة عن رجل من أصحاب النبي - ﷺ - قال: لو أعلم أني إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت.
وأخرج أيضاً من طريق الشعبي، قال: قال عمر: من قرأ القرآن وأعربه كان له عند الله أجر شهيد.
قلت: معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتعبير، لأن إطلاق الإعراب
على الحكم النحوي اصطلاح حادث، ولأنه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى
تعليمه، ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته وقال بجواز أن يكون المراد
الإعراب الصناعي، وفيه بعْدٌ.
وقد يستدل له بما أخرجه السّلَفي في الطيوريات من حديث ابن عمر -
مرفوعاً: أعربوا القرآن يدلكم على تأويله.
وقد أجمعوا على أن التفسير من فروض الكفاية، وأجَلُّ العلوم الشرعية.
قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك
أن شرف الصنعة إما لشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميْتَة.
وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة
الكِنَاسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح.
وإما بشدة الحاجة إليها، كالفقه، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون من أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعضُ الناس في بعض الأوقات.
إذ عُرِف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاثة، أما
من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة.
ومَعْدِنُ كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.


الصفحة التالية
Icon