وقد قال الزمخشري في: (وبالآخِرَة هم يوقنون) البقرة: ٤.
في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هُمْ تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه مَنْ آمَن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن.
وقد اعترض عليه بعضهم، فقال: تقديم الآخرة أفاد أن إيقانهم مقصور على
أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها.
وهذا الاعتراض من قائله مبنيّ على ما فهمه من أن
تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك.
ثم قال المعترض: وتقديم هم أفاد أن هذا القصر يختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيماناً بغيرها حيث قالوا:
(لَنْ تَمَسَّنَا النارُ إلا أياماً معدودة). البقرة:. ٨.
وهذا منه أيضاً استمرار على ما في ذهنه من الحصر، أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة، وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها.
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر، وهذا ممنوع.
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام:
أحدها: بما وإلا، كقوله: ما قام إلا زيد - صريح في نفي القيام من غير
زيد، ومقتضى إثبات القيام لزيد، قيل بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم، لأن " إلا " موضوعة للاستثناء وهو الإخراج، فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عَيْن القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم، والتبس على بعض الناس لذلك، فقال: إنه بالمنطوق.
والثاني: الحصر بإنما، وهو قريب من الأول فما نحن فيه، وإن كان جانبُ