(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ).
(يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي).
الثاني والثلاثون: خطاب التعجيز، نحو: (فأتُوا بسورةٍ).
الثالث والثلاثون: خطاب التشريف، وهو كل ما في القرآن مخاطبة بقل.
فإنه تشريف منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف
المخاطبة.
الرابع والثلاثون: خطاب المعدوم، ويصح ذلك تبعاً لموجود، نحو: (يَا بَنِي آدَمَ)، فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل مَنْ بعدهم.
قال ابن القيم: تأمل خطاب القرآن تجد مَلِكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمّةُ الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه، مستوياً على العرش، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالما بما في نفوس عباده، مطلعاً على
أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع.
ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر الأمور، نازلة من عنده دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه لا تتحرك ذَرّة إلا بإذنه، ولا تسقط من ورقة إلا بعلمه، فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغّبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذم أعداءه بسيء أعمالهم وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوِّعُ الأدلة والبراهين، ويجيب عن شُبَه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق، ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها،