ومنها: التغليب، وهو إعطاء شيء حكم غيره.
وقيل ترجيح أحد المغلوبين على الآخر، وإطلاق لفظه عليهما، إجراء للمختلفين مجرى المتفقين، نحو: (وكانت من الْقَانتين).
(إلا امرأته كانتْ مِن الغابرين).
والأصل من القانتات والغابرات، فعدت الأنثى من الذكر بحكم التغليب.
(بل أنتم قومٌ تجْهَلون)، أتى بتاء الخطاب تغليباً لجانب أنتم على جانب قوم.
والقياس أن يؤتى بياء الغيبة، لأنه صفة لقوم، وحسَّن العدول عنه وقوع الموصوف خبراً عن ضمير المخاطبين.
(اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ)، غّلب في الضمير المخاطبين
وإن كان (منْ تبعك) يقتضي الغيبة، وحسنّه لأنه لما كان الغائب تبعا
للمخاطب في المعصية والعقوبة جُعل تبعاً له في اللفظ أيضاً.
وهو من محاسن ارتباط اللفظ بالمعنى.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، غلّب غير العاقل حيث أتى "بما" لكثرته.
وفي آية أخرى عبّر بمَنْ، فغلب العاقل لشرفه.
(لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا).
أدخل شعيب في "لَتَعُودُنَّ" بحكم التغليب، إذ لم يكن في ملتهم أصلا حتى يعود فيها.
وكذا قوله: (إنْ عُدْنا في مِلَّتِكم).
(فسجد الملائكة ُ كلهم أجمعونَ إلا إبليس).
عُدّ منهم بالاستثناء تغليبا لكونه كان بينهم.
(يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)، أي الشرق والمغرب.
قال ابن الشجري: وغلب المشرق لأنه أشهر الجهتين.
(مَرجَ البَحْرَيْنِ)، أي الملح والعذب، والبحر خاص بالملح، فغلّب لكونه أعظم.
(ولكل درجاتٌ)، أي من المؤمنين والكفار، والدرجات للعلو
والدركات للسفل، فاستعمل الدرجات في القسمين تغليباً للأشرف.
قال في البرهان: وإنما كان التغليب من باب المجاز، لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، ألا ترى أن القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف، فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير ما وُضع له، وكذا باقي الأمثلة.