بها - بحال ماء نزل من السماء، وأنبت أنواع العشب، وزين بزخرفها وجه
الأرض، كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة، حتى إذا طمع أهلها فيها.
وظنوا أنها مسلَّمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة، فكأنها لم تكن بالأمس.
وقال بعضهم: وجه تشبيه الدنيا بالماء أمران:
أحدهما: أن الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تغررت، وإن أخذت قدر
الحاجة انتفعت به، فكذلك الدنيا.
والثاني: أن الماء إذا أطبقت عليه كفك لتحفظه لم يحصل فيه شيء فكذلك
الدنيا.
وقوله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ).
شبه نورهُ الذي يلقيه في قلب المؤمن بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة إما بوضعه في مشكاة - وهي الطاقة التي لا تنفذ، وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للبصر.
وقد جُعل فيها مصباح في داخل زجاجة تشبه الكوكب الدُّرِّي في صفائها، ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقوداً، لأنه من زيت شجرة في وسط السراج، لاشرقية ولا غربية، فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل تصيبها الشمس أعدل إصَابة.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمن، ثم ضرب للكافر مثلين: أحدهما: (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً)، والآخر: (كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ).
وهو أيضاً تشبيه مركب.
الثالث: ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام:
أحدها: تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع، اعتمادا على معرفة النقيض
والضد، فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة، كقوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥).
شبّه بما لا يُشك أنه منكر قبيح لما حصل في نفوس الناس من بشاعة صور الشياطين وإن لم ترها عيانا.