وأجيب بأن المراد به فرج القميص، والتعبير به من لطيف الكنايات
وأحسنها، أي لم يعلق ثوبها ريبة، فهي طاهرة الثوب، كما يقال نقيُّ الثوب، وعفيف الذيل - كناية عن العفة.
ومنه: (وثِيَابَك فَطَهِّرْ).
وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع في فرجها، وإنما نفخ في جيبِ درْعها.
ونظيره أيضا: (وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ).
قلت: وعلى هذا ففي الآية كناية عن كناية، ونظيره ما تقدم من مجاز
المجاز.
رابعها: قصد المبالغة والبلاغة، نحو: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨).
كنى عن النساء بأنهنّ ينشّأن في الترفّه والتزيّنَ والشواغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك، والمراد نفي ذلك عن الملائكة.
وقوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ).
كناية عن سعة جوده وكرمه جداً.
خامسها: قصد الاختصار، كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ " فعل "، نحو:
(لَبِئْسَ ما كانوا يَفْعَلُون).
(فإنْ لم تَفْعَلوا ولَنْ تَفْعلوا).
أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
سادسها: التنبيه على مصيره، نحو: (تَبّتْ يَدَا أبي لَهَب).
أي جهَنّمي مصيره إلى اللهب.
حَمّالة الحطب في جيدها حبل، أي نَمّامة، مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم في جيدها غُل.
قال بدر الدين بن مالك في المصباح: إنما يعدل عن الصريح إلى الكناية
لنكتة، كالإيضاح، أو بيان حال الموصوف، أو مقدار حاله، أو القصد إلى
المدح أو الذم، أو الاختصار، أو الستر أو الصيانة، أو التعمية أو الإلغاز، أو التعبير عن الصعب بالسهل، أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن.
واستنبط الزمخشري نوعاً من الكناية غريبا، وهو أن تعمد إلى جملة معناها
على خلاف الظاهر، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز،