ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا).
وفي الحديث: باسمك اللهم وضعت جَنْي.
ومنها الصناعة النحوية، كقولهم في لا أقسم: التقدير لأنا أقسم، لأن فعل
الحال لا يقسم عليه.
وفي: (تاللهِ تَفْتَأ) : التقدير لا تفتأ، لأنه لو كان الجواب مثبتاً لدخلت اللام والنون كقوله: (وتاللهِ لأكِيدَنّ أصنامَكم).
وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه، كقولهم في
لا إله إلا الله: إن الخبر محذوف، أي موجود.
وقد أنكره الإمام فخر الدين، وقال: هذا كلام لا يحتاج إلى تقدير.
وتقدير النحاة فاسد، لأن نفي الحقيقة مطلقة أتم من نفيها مقيدة، فإنها إذا
انتفت مطلقة كان ذلك دليلاً على سلب الماهية مع القيد.
وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفي كل إله غير الله قطعاً، فإن العدم لا
كلام فيه، فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة.
ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر، وإنما يقدر النحويُّ ليعطي القواعد حقَّها وإن كان المعنى مفهوماً.
تنبيه:
قال ابن هشام: إنما يشترط الدليل فما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها، أو
أحد ركنيها، أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه، نحو: (تاللهِ تَفْتَأ)، أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل، بل يشترط ألا يكون في
حذفها ضرر معنوي أو صناعي.
قال: ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف.
ورد قول الفراء في (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ).