وقال حازم في منهاج البلغاء: وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت
الفصاحة والبلاغة فيه في جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة، ولا
يقدِرُ عليه أحد من البشر.
وكلام العرب ومَنْ تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود، ثم تعترض
الفترات الإنسانية، فينقطع طيب الكلام ورونقهُ، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريق وأجزاء منه.
قال الجَعْبَرِي: لمعرفة فواصل الآي طريقان: توقيفي وقياسي، أما التوقيفي
فما ثبت أنه - ﷺ - وقف عليه دائماً تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً تحققنا أنه ليس بفاصلة، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة.
والوصلُ أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها.
وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا
محذورَ في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، وإنما غايته أنه محل فَصْل أو
وصل.
والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياسي
إلى طريق تعرفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجع في النثر، وقافية البيت في الشعر.
ومما يذكر من عيوب القافية من اختلاف المد والإشباع والتَّوْجيه، فليس
بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة والقَرِينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة.
ومن ثم ترى "يرجعون" مع "عليم" و"الميعاد"
مع "الثواب"، و"الطارق" مع "الثاقب".
والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة، ومِنْ ثمَّ
أجمع العادُّون على تَرْك عَدّ: (ويَاْتِ بآخرين) النساء: ١٣٣.
(ولا الملائكةُ الْمُقَرَّبُون) النساء: ١٧٢، و (كَذَّب بها الأوَّلُون)
الإسراء: ٥٩، و (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) : ٩٧، بمريم)