ومن ذلك تكرير الأمثال، كقوله: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ.
وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة، بالمستَوتقدِين نارا، ثم
ضربه بأصحاب الصّيِّب، قال الزمخشري: والثاني أبلغ من الأول، لأنه أدل على فَرْط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته، قال: ولذلك أخر، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ.
ومن ذلك تكرير القصص، كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء.
قال بعضهم: ذكر الله موسى في كتابه في مائة وعشرين موضعًا.
وقال ابن العربي في القواصم: ذكر الله قصةَ نوح في خمسة وعشرين موضعاً.
وقصة موسى في تسعين آية.
وقد ألف البَدْرُ بن جماعة كتاباً سماه المقتنص في فوائد تكرير القصص.
وذكر في فوائده:
أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله، أو إبدال كلمة بأخرى
لنكتة، وهذه عادةُ البلغاء.
ومنها: أن الرجل كان يسمع القصةَ من القرآن، ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر
بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور مَنْ بعدهم، فلولا تكرار القصص
لوقعت قصةُ موسى إلى قوم وقصةُ عيسى إلى آخرين، وكذا سائر القصص.
فأراد الله اشتراكَ الجميع فيها، فيكون فيه إفادةٌ لقوم وزيادة تأكيد لآخرين.
ومنها: أنَ في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا
يخفى من الفصاحة.
ومنها: أن الدواعيَ لا تتوفر على نَقْلها كتوفرها على نقل الأحكام، فلهذا
كررت القصص دون الأحكام.