منها قوله: (أتَى أمْرُ اللهِ).
فأمر الله يُراد به قيام الساعة
والعذاب وبعثة - ﷺ -، وقد أريد بلفظه الأخير، كما أخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله: (أتى أمْرُ اللهِ) - قال: محمد، وأعيد الضمير عليه في (تستعجلوه) مُراداً به قيام الساعة والعذاب.
ومنها - وقد أريد بلفظه أظهرها - قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢). ، فإن المراد به آدم، ثم أعيد الضمير عليه مراداً به ولده، فقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣).
ومنها قوله تعالى: (لا تسألُوا عن أشياءَ إنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكم)، ثم قال.
(قد سألها قوم مِنْ قَبْلكم).
أي أشياء أخر، لأن الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سألوا عنها، فَنُهُوا عن سؤالها.
ومنها الالتفات، وهو نقل الكلام من أسلوب، إلى آخر، أعني من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول، هذا هو المشهور.
وقال السكاكي: إما ذلك أو التعبير بأحدهما فما حقُّه التعبير بغيره.
وله فوائد، منها: تَطْرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجَر والملل، لِمَا
جُبِلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على مِنْوَال
واحد.
هذه فائدته العامة.
ويختص كل موضع بنُكَت ولطائف باختلاف محله كما سنبيِّنُه.
مثالُه من التكلم إلى الخطاب، ووجهه حثّ السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عناية وتخصيص بالواجهة - قولُه تعالى: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢).
الأصل: وإليه أرجع.
فالتفت من التكلُّم إلى الخطاب.
ونكتته أنه أخرج الكلام في موضع مُنَاصحته لنفسه، وهو يريد نُصْحَ قومه تلطفاً وإعلاماً أنه يريد لهم ما يريد لنفسه، ثم التفت لكونهم في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله، كذا جعلوا هذه الآية من