لأن انفراده تعالى بالحمد في الآخرة - وهي الوقت الذي لا يُحْمد فيه سواه - مبالغةٌ في الوصف بالانفراد بالحمد، وهو وإنْ خرج مخرج المبالغة في الظاهر فالأمرُ فيه حقيقة في الباطن، فإنه ربّ الحمد والمنفرد به في الدارين.
انتهى.
قلت: والأوْلى في هذه أن يقال: إن الآية من إدماج غرض في غرض، فإن
الغرض منها تفرّده تعالى بوصف الحمد، فأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.
الافتنان
هو الإتيان في كلام بفتنين مختلفين، كالجمع بين الفخر والتعزية في قوله
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧).
فإنه تعالى عزَّى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر
أصناف ما هو قابل للحياة، وتمدّح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر
لفظات، مع وصفه تعالى ذاتَه وانفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه.
ومنه: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢).
جمع فيها بين هناء وعزاء.
الاقتدار
هو أن يُبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور، اقتداراً منه على نظم الكلام
وتركيبه، وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض، فتارة يأتي به في لفظ
الاستعارة، وتارة في صورة الإرداف، وحينا في مخرج الإيجاز، ومرة في قالب
الحقيقة.
قال ابن أبي الإصبع: وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن، فإنك ترى القصة
الواحدة التي لا تختلف معانيها تأتي في صور مختلفة وقوالبَ من الألفاظ متعددة، حتى لا تكاد تشتبه في موضعين منه، ولا بد أن تجد الفرقَ بين صورها ظاهراً.