(وهم يَصْطَرِخُون فيها).
فإنه أبلغ من يصرخون للإشارة إلى أنهم يصرخون صراخا
منكراً خارجاً عن الحدّ المعتاد.
(أخْذَ عزيزٍ مُقْتَدِر).
فإنه أبلغ من قادر، للإشارة إلى زيادة التمكن في القدرة، وأنه لا رادّ له ولا معقّب.
ومثل ذلك: (واصْطَبِرْ)، فإنه أبلغ من اصبر.
و (الرحمن) أبلغ من الرحيم، فإنه مشعر باللطف والرفق، كما أن الرحمن مشعر بالفخامة والعظمة.
ومنه الفرق بين سقى وأسقى، فإن سقى لما لا كُلْفة معه في السقيا، ولذا
أورده تعالى في شراب الجنة، فقال: (وسقَاهم رَبّهم شرَاباً طَهُوراً).
وأسقى لما فيه كلفة، ولهذا أورده تعالى في شراب أهل الدنيا، فقال:
(وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (٢٧).
(لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦).
لأن السقي في الدنيا لا يخلو من كلفة أبدًا.
الاستدراك والاستثناء
شرط كونهما من البديع أن يتضمّنا ضرباً من المحاسن زائداً على ما يدل عليه
المعنى اللغوي، مثال الاستدراك قوله تعالى: (قالت الأعرابُ آمَنَّا قل لم تؤْمِنُوا ولكن قولُوا أسلَمْنَا).
فإنه لو اقتصر على قوله: (لم تُؤمنوا) لكان منفِّراً لهم، لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا، فأوجبت البلاغة ذكْرَ الاستدراك، ليعلم أن الإيمان موافقة القلب اللسان، وإن انفرد اللسان بذلك يسمى إسلاما، ولا يسمى إيماناً.
وزاد ذلك أيضاً بقوله: (ولَمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم).
فلما تضمّن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكلال عُدَّ من المحاسن.
ومثال الاستثناء: (فلَبِثَ فيهم ألْفَ سنةٍ إلا خمسين عاما)، فإن الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهد عذر نوح في دعائه على قومه
بدعوةٍ أهلكتهم عن آخرهم، إذ لو قيل: فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاماً لم يكن فيه من التهويل ما في الأول، لأن لفظة الألف في الأول أولُ ما يطرق السمع