والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا.
وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه.
الثاني: نفي الذاتِ الموصوفة قد يكون نفيًا للصفة دون الذات، وقد يكون
نفياً للذات أيضاً.
من الأول: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ).
أي بل هم جسد يأكلونه.
ومن الثاني: (لا يسألونَ النَّاسَ إلحافاً).
أي لا سؤال لهم أصلاً، فلا يحصل منهم إلحاف.
(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨).
أي لا شفيع لهم أصلاً.
(فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨).
أي لا شافعين لهم تنفعهم شفاعتهم، بدليل: (فما لنا من شافعِين).
ويسمى هذا النوع عند أهل البديع نفي الشيء بإيجابه.
وعبارة ابن رشيق في تفسيره: أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه، بأن ينفي ما هو من سببه، كوصفه، وهو المنفي في الباطن.
وعبارة غيره: أن تنفي الشيء مقيداً والمراد نفيه مطلقاً مبالغة في النفي
وتأكيداً له.
ومنه: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ)، فإن الإله مع الله لا يكون إلا عن غير برهان.
(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ)، فإن قَتْلهم لا يكون إلا بغير حق.
(رفَع السماواتِ بغير عَمَدٍ ترونها).
فإنها لا عمد لها أصلاً.
الثالث: قد ينفي الشيء أصلاً لعدم كمال وصفه، أو انتفاء ثمرته، كقوله في
صفة أهل النار: (لا يموت فيها ولا يحيىَ).
فنفى عنه الموت، لأنه ليس بموت صريح، ونفى عنه الحياة لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة.
(وتَرَاهم ينْظُرون إليكَ وهم لا يُبْصرون).
فإن المعزلة احتجّوا بها على نفي الرؤية، فإن النظر في قوله: (إلى رَبِّها نَاظِرة)، لا يستلزم الإبصار.