حَمْله وثمنه، وقرَّبْت عليه الفهم باختصار الكلام، وأيْم الله لو أراد الاستغناء به عن النظر في غيره لكفاه، مع أني زِدت مع اللفظ المشترك تفسيرَ مفردات لا بد له منها، ليتم له معناه.
وأعقبت كل حَرْفٍ بحروف تشاكلها منها من الأسماء
والظروف، لأن معرفة ذلك من الهمات المطلوبة، لاختلاف مواقعها، ولهذا
يختلف الكلام والاستنباط بحسبها، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤).
فاستعْمِلَت "على" في جانب الحق و" في " في جانب الضلاَل، لأن جانب الحق كأنه مستَعْلٍ يصرِّف نظره كيف شاء، وصاحب الباطل كأنه في ظلام منخفض لا يدري أين يتوجه.
وقوله تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ).
عطف الجمل الأولى بالفاء، والأخيرة بالواو لما انقطع نظام الرّتب، لأن التلطّف غير مرتب على الإتيان بالطعام، كما كان الإتيان به مرتبا على النظر فيه، والنظر فيه مرتباً على التوجه في طلبه، والتوجه في طلبه مرتباً على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث وتسليم العلم له تعالى.
وقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ).
عَدَل عن اللام، إلى " في " في الأربعة الأخيرة، إيذاناً بأنهم أكثر استحقاقاً للتّصدّق عليهم ممن سبق ذكره باللام، لأن " في " لِلْوعَاء، فنبَّه باستعمالها، على أنهم أحقّ بأن يجعلوا مظنّة لوضع الصدقات بهم، كما يُوضع الشيء في وعائه مستقرّاً فيه.
وقال الفارسي: إنما قال: " في الرقاب) ولم يقل للرقاب، ليدل على أن العبد لا يملك.
وعن ابن عباس قال: الحمد للهِ الذي قال: (عن صلاتهم ساهون)، ولم يقل في صلاتهم.
فقد علمت من هذا أنه لا بد مِنْ ذكر معاني هذه الأدوات وتوجيهها.
وقد أفردها بالتصنيف خلائق من المتقدمين والمتأخرين،