الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئت عليه الآية: لم جُعلت هذه الآية إلى جنب هذه، وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة، وكان يزري على علماء بغداد، لعدم علمهم بالمناسبة.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المناسبة علم حسن، لكن يشترط في
حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متّحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على
أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط.
ومَنْ ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث، فضلاً عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نَيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربْطُ بعضه ببعض.
وقال الشيخ ولي الدين الملوي: قد وَهِمَ من قال: لا يطلب للآية الكريمة
مناسبة، لأنها على حسب الوقائع المتفرقة.
وفصلُ الخطاب أنها على حسب الوقائع
تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيباً، وتأصيلاً، فالصحف على وفق اللوح
المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، كما أنزل جملة إلى بيت العزة.
ومن المعجز البين أسلوبه، ونظمه الباهر، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها تكملة لما قبلها أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها، ففي ذلك علم جم.
وهكذا في السور يطلب وجْه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.
وقال الإمام الرازي في سورة البقرة: ومَنْ تفكر في لطائف نظم هذه السورة
وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف
معانيه فهو أيضاً معجز بسبب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا إنه معجز
بسبب أسلوبه أرادوا ذلك، إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه
اللطائف، غير منتبهين لهذه الأسرار، وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصارُ صورتَه | والذنْبُ للطرف لا لِلنَّجْمِ في الصغَر |
رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، أو غير ذلك من أنواع