كقوله: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) - عَقِب قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ)، فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضيَ لأمره في الغنائم على
كُرْهٍ من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العِير أو القتال
وهم له كارهون، والقصدُ أن كراهتهم لما فعله من قسم الغنائم ككراهتهم
للخروج.
وقد تَبَين في الخروج الخير من النصر والظفر والغنيمة وعزّ الإسلام.
فكذا يكون فيما فعله في القسمة، فليطيعوا ما أمروا ويتركوا هَوَى أنفسهم.
الثاني: المضادة، كقوله في سورة البقرة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ).
فإن أول السورة كان حديثاً عن القرآن، وأن من شأنه الهدايةَ للقوم الموصوفين بالإيمان.
فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين، فبينهما جامع وهميّ بالتضاد من هذا الوجه، وحكمته التشويق والثبوت على الأول، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
فإن قيل: هذا جامع بعيد، لأن كونه حديثاً عن المؤمنين بالعَرَض لا
بالذات، والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن، لأنه مفتتح القول.
قيل: لا يشترط في الجامع ذلك، بل يكفي التعلق على أي وجه كان، ويكفي في وجه الربط ما ذكرنا، لأن القصد تأكيد أمر القرآن، والعمل به، والحثّ على الإيمان، ولهذا لما فرغ من ذلك قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا). - فرجع إلى الأول.
الثالث: الاستطراد: كقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ).
قال الزمخشري: هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوّ
السَّوْءات، وخَصْف الورق عليها، إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العراء وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعاراً بأن الستر باب عظيم من أبواب التقى.