وحال، ثم يثمر حالين، أما العِلْم: فهو معرفة العبد بأن الله مطَّلع عليه، ناظِرٌ إليه، يرى جميع أعماله، ويسمع جميع أقواله، وكلّ ما يخطر على باله.
وأما الحال: فهو ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا يغفل عنه.
ولا يكفي العلم دون هذه الحال.
فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتهما عند أصحاب اليمين الحياء من الله -
وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي، والجد في الطاعات، وكانت ثمرتهما عند الْمقَرّبين المشاهدة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال، وإلى هاتين الثمرتين أشار - ﷺ - بقوله: " الإحسان أن تَعْبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "، إشارة إلى الثمرة الثانية وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم، كمن يشاهد
ملكاً عظيما فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة.
وقوله: فإنْ لم تَكنْ تَرَاه فإنّه يَرَاك، إشارة إلى الثمرة الأولى.
ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين فاعلم أنه يراك، فإنه من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين، فلما فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعْلَى رأى أن كثيراً من الناس قد يعجزون عنه، فنزل عنه إلى المقام الآخر.
واعْلَم أَنَ المراقبةَ لا تستَقِيم حتى تتقدَّم قبلها المشارطة والمرابطة، ويتأخر عنها
المحاسبة والمعاقبة.
فأما المشارطة: ففي اشتراطِ العَبْد على نفسه التزام الطاعة، وترك المعاصي.
وأما المرابطة: فهي معاهدة العبد لربِّه على ذلك، ثم بعد المشارطة والمرابطة في أَوَّلِ الأمر تكون المراقبة إلى الرب.
وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه، فإنْ وجد نفسه قد وفّى بما عاهد عليه الله حَمِد الله، وإنْ وجد نفسه قد حلّ عَقْد المشارطة، ونقض عقد المرابطة - عاقب النفس عقاباً
بأن يزجرها عن العَوْدَة إلى مثل ذلك.
ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة وحافظ على
المراقبة، تم اختبر بالمحاسبة، فهكذا يكون العبد مع ربه.