حادثة كان أقوى للقلب، وأشدَّ عناية بالمرسل إليه.
ويستلزم ذلك كثرة نزول
الملك إليه، وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل.
وقيل معنى (لنثبِّتَ به فؤادَكَ)، أي لنحفظه، فإنه - ﷺ - كان أمِّياً لا يقرأ ولا يكتب، ففرِّق عليه ليثبت عليه حفظه، بخلاف غيره من الأنبياء، فإنه كان كاتباً قارئاً، فيمكنه حفْظُ الجميع.
قال ابن فُورك: قيل أنزلت التوراة جملة، لأنها نزلت على نبي يقرأ ويكتب
- وهو موسى - وأنزل الله القرآن مفرَّقاً، لأنه نزل غير مكتوب على نبي أميّ.
وقال غيره: إنما لم ينزّل جملة واحدة، لأنَّ منه الناسخ والمنسوخ، ولا يتأتَّى
ذلك إلا فيما نزل مفرقاً.
ومنه ما هو جواب لسؤال، ومنه ما هو إنكار على قول قِيل أو فعل فُعِل.
وقد تقدّمَ ذلك في قول ابن عباس، ونزّله جبريل بجواب
كلام العباد وأعمالهم، وفَسّر به قوله: (ولا يأتونك بِمَثَل إلاَّ جئْنَاك بالحقّ
وأحسنَ تفسيراً).
أخرجه عنه ابن أبي حاتم.
فالحاصل أن الآية تضمّنت حكمتين لإنزاله مفرقاً.
تذنيب
ما تقدم في كلام هؤلاء من أنَّ سائر الكتب أنزلت جملة ً هو مشهور في
كلام العلماء وعلى ألسنتهم، حتى كاد يكون إجماعا.
وقد رأيتُ بعض فضلاء العصر أنكر ذلك، وقال: إنه لا دليل عليه، بل الصواب أنها نزلت مفرقات كالقرآن.
وأقول: الصواب الأول، والدليل على ذلك آيةُ الفرقان السابقة.
أخرج ابن أبي حاتم، من طريق سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: قالت