فإن قلت: لم قال: (أولياء)، ولم يقل أرباباً؟
والجواب أن الأولياء أعمُّ من الأرباب، لأن الولي والناصر قد يكون ربًّا وقد لا يكون، فهم وُبِّخوا على الوصف الأعم، وهو طلبهم النصرة من غير الله، فيلزم منه الذمّ على الوصف الأخص، وهو اتخاذهم أرباباً من دون الله من باب أحرى.
ولو قال اتخذتم من دونه أرباباً لأفاد التوبيخ على هذا الوصف الأخص، لا على ما دونه، وهو مطلق النصرة "
(ماء فسالَتْ أودِيةٌ بِقَدَرِها فاحتمل السَّيْل زَبَداً رَابِيا) :
هذا مثل ضربه الله للحقّ وأهله، والباطل وحزبه، فمثل الحقً كالماء الذي ينزل من السماء فتَسِيل به الأوْدِية، وتنتفع به الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصُّفْر وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس.
وشبَّه الباطل في سرعة اضْمِحْلَالِه وزَواله بالزّبد.
الذي يرمي به السيْل وبزبد تلك المعادن التي يطفو
فوقها إذا اذيبت، وليس في الزَّبد منفعة، وليس له دوام.
وقال ابن العربي في قانون التأويل: ضربه الله مثلاً للحق والباطل، فإنه خلق
الماء لحياة الأبدان، كما أنزل القرآن لحياة القلوب، وضرب امتلاء الأودية بالماء مثالاً لامتلاء القلوب بالعلم، وضرب الأودية الجامعة للماء مثالاً للقلوب الجامعة للعلم.
وضرب قدر الأودية في احتمال الماء، بسعتها وضيقها، وصغرها وكبرها.
مثالاً لقَدْرِ القلوب في انشراحها وضيقها.
بالحرج، وضرب حمل السيلِ الحصيدَ والهشيم، وما يجري به ويدفعه مثلا لما يدفعه القرآن من الجهالة والزَّيْغ والشكوك
ووَساوِس الشيطان، وضرب استقرار الماء ومكثَه لانتفاع الناس به في السَّقْيِ
والزراعة مثلاً لمكث العلم واستقراره في القلوب للانتفاع به.
قال: هذا المثل الأول.
وأما الثاني فضرب المثل فما يوقد عليه النار بما في
القرآن من فائدة العلم المنتَفع به كالانتفاع بالمتاع، وكما أن النار تميّز الخبيث في هذه من الطيّب، كذلك القرآن إذا عرضت عليه العلوم يميز النافع فيها من الضار.