الرجلين المتخاصمين إلى داود، دخلت غنم أحدهما في زَرْع الآخر بالليل.
وأفسدته، فقضى داود بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم.
ووَجْه هذا الحكم أنَّ قيمة الزرع مثل قيمةِ الغنم، فخرج الرجلان على
سليمان، وهو بالباب، فأخبراه بما حكم أبوه، فدخل عليه فقال: يا نبي الله، لو حكمت بغير هذا كان أرفق بالجميع.
قال: وما هو، قال: يأخذ صاحب الغنم الأرْض ليصلحها حتى يعودَ زَرْعُها كما كان، ويأخذ صاحب الزرع الغنَم ينتفع بألبافها وصوفها ونَسْلِها، فإذا كمل الزرع رُدَّت الغنم إلى صاحبها والأرض بزَرْعها إلى رَبِّها.
فقال له داود: وفِّقْتَ يا بُني، وقضى بينهما بذلك.
ووجه حكم سليمان أنه جعل حكم الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الزرع.
وأوجب على صاحب الغنم أنْ يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان.
ويحتمل أن يكون ذلك إصلاحاً لا حكماً.
واختلف الناس، هل كان حكمهما باجتهاد أو بوحي؟
فمَنْ قال كان باجتهاد أجاز الاجتهاد للأنبياء.
وروي أن داود رجع عن حكمه لما تبَيّن له أن الصواب خلافه.
وقد اختلف في جواز الاجتهاد في حق الأنبياء، وعلى القول بالجواز اختلف:
هل وقع أم لا.
(نَقْدِرَ عليه) :
أي نُضيق عليه، فهو من معنى قوله: (ومَنْ قُدِرَ عليه رِزْقه).
وقيل هو من القدر والقضاء، أي ظن أن لن نَقدر عليه بعقوبته.
ولا يصح قول من قال: إنه من القدرة.
والإشارة فيه كأنه يقول: يا عبدي لما خرج يونس خروجَ غَضب، فنادى
فأنجيته، كذلك إذا خرجت لي خروج غضب من ذنوبك، فتلوم نفسك.
أنجيتك من همومك، وأقول لك: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).