فاقْتَدِ أيها المسكين بتأسُّفك على ما فاتك من أوقاتك في المخالفة، ولا
يشغلك شاغلٌ عن الطاعة بجهد الاستطاعة، فإن سليمان أنعم الله عليه بأنواع
النعم، ولم يعاتبه باشتغاله لقوله: (هذا مِنْ فَضْل رَبِّي).
ويوسف أعطاه الله الْمُلك ولم يُعاتبه على اشتغاله به، لأنه قال: (هذا من فضل الله علينا).
وقال في شأن النبي - ﷺ -: (وكان فضل الله عليك عظيما).
ولم يأذَن له في نظرة واحدة إلى الدنيا غيرةً منه عليه، فقال: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآية، فأظهر أن
فضله عليه في المنع أفضل منه في العطاء، وكذلك قال لأمّته: (قلْ بِفَضْلِ الله
وبرحمته فبذلك فلْيَفْرَحُوا هو خَيْرٌ مما يَجْمَعون).
وروي أن وجوهَ هذه الأمة تُحْشَر يوم القيامة كالكوكب الدرِّيِّ، فتقول
الملائكة: ما عملكم في الدنيا، فيقولون: كُنَّا إذا سمعنا الأذان قُمْنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها، ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال: كُنَّا نتوضأ قبل الوقت.
ثم تُحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال: كنا
نسمع الأذان في المسجد.
وروي أن السلف كانوا يعزُّون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتَتْهم التكبيرة الأولى
ويعزُّون سبعاً إذا فاتتهم الجماعة.
وحكي أنه كان شدّاد بن حكيم البلخي الحاكم يمرُّ يوماً بمسجد من مساجد
البلخي ومؤذّنه يؤذّن وبحذاء هذا المسجد حانوت رجل معدل، فلما فرغ المؤذّن من الأذان اشتغل ذلك المعدِّل بجمع المتاع الذي بين يديه، ثم خرج إلى الصلاة، فلما كان في الغد جاء المعدّل وشهد على رجل بحق، فرد شهادته وقال: إنك مستَخِفّ بأمر الصلاة حيث استقبلت أولاً إلى رفع الأمتعة التي بين يديك بعد الأذان، ثم خرجت إلى الصلاة.
ذكره في الإحياء.
(صَرْصر) : أحد رياح العقوبة، وثانيها العقيم، وثالثها القاصف، كما قال تعالى: (فيرسل عليكم قَاصِفا)، وهذه الرياح تهبّ في البحر دون البر برحمةِ الله، إلاَ مَنْ أراد الله هلاكه بها.
ورياح الرحمة ثلاث: منشرات، كقوله تعالى: (والنَّاشِرات نَشْراً).


الصفحة التالية
Icon