ولا يعلم طولها إلا الله، لأنَّ الله قال لها: امتدّي فامتدت، ثم قال لها: امتدي فامتدت، ثم قال لها: امتدي فامتدت، قالت: إلى أيْنَ يا رب، قال: إلى منتهى رحمتي، فقالت: لا منتهى لرحمتك.
فقال لها: ولا منتهى لك.
وقيل: ليس العَرْض هنا خلافَ الطول، وإنما المعنى سعتها كسعة السماوات
والأرض.
فإن قلت: إذا كان عرضها هذا، فما معنى ما ورد أنها في السماء، وقيل في
الأرض، وقيل بالوَقْف حيث لا يعلمه إلا الله؟
والجواب أن الذي يجب اعتقادُه ويفهم من القرآن والحديث أنَّ الجنة في عالم
الجبروت، وأن العرش سَقْفها، كما صحّ في الحديث: "سلوا الله الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وفوقه عرشُ الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة".
والآية الكريمة: (قلنا اهْبِطُوا)، تدلّ على أنها فوق السماوات.
وقد قدمنا أنَّ العوالم أربعة: الملك، وهو الدنيا وما فيها.
والملكوت وهو السماوات وما فيها.
والجبروت وهو اللَّوْح والكرسي والقلَم.
والجنة وفوقها العرش الذي تأوي إليه أرواحُ الشهداء.
وعالم العزّة لا يَعْلَم ما فيه إلا الله ورسوله الذي زج فيه - ﷺ - وشاهد فيه من العجائب ما أخبر الله به في قوله: (لقد رَأى مِنْ آياتِ رَبّه الكبْرَى). ، وخلف جبريل عند سِدْرَةِ المنتهى، وقال: يا محمد، لا
أقدر على مجاوزة هذا المكان، (وما مِنَّا إلا له مَقام معلوم).
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان، من طريق عبيد، عن مجاهد، عن ابن
عمر - مرفوعاً: "أن جهنم محيطةٌ بالدنيا، وأن الجنة من ورائها، فلذلك كان الصراط على جهنم طريقاً إلى الجنة".
فإن قلت: يفهم من هذا الحديث أنَّ جهنم تحت الأرض؟
والجواب أنا نقول فيها بالوقف، إذ لا يعلم محلَّها إلا الله، ولم يثبت عندي
حديثٌ أعْتَمده في ذلك غير ما رواه ابن عبد البر وضعّفه، عن عبد اللَه بن عمر - مرفوعاً: "لا يركب البحر إلاَّ غازٍ أو حَاجّ أو معتمر، فإنَّ تحت البحر ناراً".


الصفحة التالية
Icon