وقلتم: الموت حقّ ولم تتهيئوا له.
وانتبهتم من النوم واشتغلتم بعيوب إخوانكم.
وأَكلْتم رزْقَه ولم تشكروه.
ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم، فأنَّى يُستجابُ لكم!
وفي الحديث ما يعضده قوله: "مَطْعَمه حَرامٌ، وملْبَسه حرام، ويقول: يا
رب، يا رب، فأَتى يُستجاب له! "
وصدق الصادق المصدوق، فإن الدعاء مثل الطائر، وكيف يطير مقصوص
الجناح.
فاجتهد في إخلاص المطعم والملبس، وتَخَيَّرْ أوقات الإجابة وأماكنها المفضّلة
في الحصن الحصين لابن الجزري، وخصوصاً بعد الأذان، وقبل الإقامة، وبعد الصلوات، وخصوصاً صلاة الجمعة، والسَّحَر أسرع إجابة لخلوّك بالمحبوب.
وبعضهم ترك الدعاء لِعِلْمِه بأن الله لا يغفلُ عنه، واشتغل بذكره، للحديث
القُدسي: "من شغله ذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أعطي السائلون"، ولهذا أشار ابن عطاء الله بقوله: "طلَبك منه اتهامٌ له"... الخ.
وبعضهم لم يرفع رَأسَه للدعاء حياءً منه.
وبعضهم قال: الدعاءُ تحكم على الله، وقد سبق تقديره قَبْل وجودي، فإن سبق سعادتي فأناله، وإن لم يسبق فكيف اطلب منه ما لم يرد (١).
وبعضهم دعاه في الشدة، وأعرض عنه في الرخاء، وهذا حالنا كما قال سبحانه: (فإذا مَسَّ الإنسانَ ضرّ دَعَانَا).
وبعضهم قال: لا أقولُ نحن، لأن الملائكة قالت: (نحن نسبِّح بحمدك)، فلم يرْضَ الله منهم، وإبليس قال: أنا، فلعنه الله.
وفرعون قال: (أَليس لي ملْك مصر)، فأغرقه الله.
وقارون قال: عندي، فخسف الله به الأرض.
وأعلى من هؤلاء من امتثل أمْرَ ربه في الدعاء، ورأى نفسه عَبْداً مملوكاً لا
يقدر على شيء، وإنما قام بحقّ الربوبية، فطلبه لمحبَّته في الطلب، وفوّضَ الأمر له، كما قال بعضهم لما قيل له: سَلْ تُعْطَ، فقال: عالم من جميع الوجوه يقول لجاهل من جميع الوجوه: سَلْ تُعْطَ، لا أعلم ما يصلح بي، ولكن يختار هوَ لي.