وكان - ﷺ - يرفع رَأسه إلى السماء رجاء أن يُؤْمَر بالصلاة إلى الكعبة، لأنها قِبْلَة إبراهيم، أو كان يحِبُّ ذلك من أجل أنَّ اليهود كانوا يقولون: يخالفنا محمد في ديننا ويتبعنا في قبلتنا، فقال لجبريل: وَدِدْتُ أن يُحوِّلَني الله إلى الكعبة، فإنها قِبْلة إبراهيم، فقال جبريل: إنما أنا عَبْد مثلك، وأنتَ كريم على ربك، فاسأل أنْتَ ربَّك، فَعرج جبريل إلى السماء، فأنزل الله الآية، فهي متأخرة تلاوة مقدمة معنى، لأنها رَأس القصة، وأوَّل ما نُسخ من أمور الشرع أمْرُ القبلة.
فإن قلت: ما فائدة تكريرها ثلاث مرات من سورة البقر ة؟
فالجواب أنَّ الأولى لنسخ القبلة، والثانية للسبب، وهو قوله: (وإنَّهُ لَلْحقّ
من ربك)، والثالثة لعلة، وهو قوله: (لئلا يكونَ للناسِ عليكم حجةٌ).
وقيل الأولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد.
وقيل في الآية خروجان: خروج إلى مكان ترى فيه الكعبة، وخروج إلى مكان لا ترى أيّ الحالتين فيه سواء.
وقيل في الجواب غير هذا حذفناه لطوله.
(شَهيدَيْنِ مِنْ رِجَالكم) :
نَصّ في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء، وأما العبيد فاللفظُ يتناولهم، ولذلك أجاز ابن حنبل شهادَتهم، ومنعها مالكٌ والشافعيّ لنَقص الرِّق، وإنما أمر الله بالإشهاد في البياعات حفْظاً للأموال، فشهادة الرجلين أو رجل وامرأتين جائزة في الأموال لا في غيرها بشرط العدالة، ومعناها اجتنابُ الذنوب الكبائر وتوقّي الصغائر مع المحافظة على المروءة.
وروي أن آدم - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - لما رأى ذريته عند خروجها من ظهره، فسأل الله عنهم، فقال له: هم الأنبياء من أولادك، فقال: يا رب، كم أعمارهم، فأخبره بِعُمْر كلِّ واحد، فوجد عمر داود أربعين، فقال: يا رب، قد وهبتُ له من عمري أربعين أخرى، فلما بقي من عمره هذه الأربعون أتَى ملَكُ الْمَوتِ ليقبِضَ رُوحه، فقال: إني لمْ أهب شيْئاً.