(ولا يَحْزُنْكَ الذِينَ يُسَارِعُون في الكُفْر) :
الخطاب لنبينا - ﷺ -، سلاه الله بهذه الآية.
والمسارعون إلى الكفر - المنافقون أو الكفّار في مبادَرتهم إلى أقوالهم وأفعالهم.
(وقَتْلَهم الأَنبياءَ بغير حقٍّ) :
أسند القتل إليهم مع أن آباءهم هم الذين قتلوهم، لكنهم رضوا بذلك، وتبعوا مَنْ فعل ذلك منهم، فهم شركاء، لأَن الراضي بالمعصية كفاعلها.
فإن قلت: ما فائدة تنكير الحق هنا وتعريفه في الآية الأولى من البقرة، ومعلوم أنه لم يقتل نبيٌّ بحق؟
والجواب أنه عرفه لاجترائهم على قتلهم مع معرفتهم بأنه بغير حق، ولذلك
قرئ بالتشديد تعظيما للذنب والشنعة لِلَّذي أتوه، وإنما أباح اللَّهُ تعالى من أباح منهم، وسلّط عليهم عدوه كرامةً لهم، وزيادة في منازلهم، كقتل مَنْ يقتل في سبيل الله من المؤمنين، قال ابن اعباس وغيره: لم يقتل قطّ من الأنبياء إلاَّ مَنْ لم يُؤمَر بقتال، وأما مَنْ أمر بالقتال فإنَّ الله نَصره.
وإنما عُرِّف الحقّ في البقرة
إشارة إلى الحق الذي أَخذ الله أن تقْتل النفس به، وهو قوله: (ولا تقْتُلوا
النّفْسَ التي حَرم الله إلا بالحق)، فكان الأوْلى بالذكر، لأنه من الله، وما في هذه السورة نكرة، لأنه في معتقدهم وتَدينهم، وكان هذا بالتأخير أولى.
فإنْ قلت: المذكورون في الآيات الثلاث من بني إسرائيل قد اجتمعوا في
الكفر والاعتداء، فما وَجْه اختصاص الآية بجمع التكسير فيما جمع في
الآيتين جمع سلامة، فقيل (النبيين) في الآيتين، وقيل في هذه الآية الأخيرة الأنبياء مكسراً؟
فالجواب أن جمْعَ التكسير يشمل أولي العلم وغيرهم، وجمع السلامة يختصُّ في
أصل الوضع بأولي العلم، وإن وُجد في غيرهم فبحكم الإلحاق والتشبيه، كقوله تعالى: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)، وما يلحق بهذا.